ليونيل ميسي.. أسطورة حية تعيد صياغة الزمن الجميل

مر في عالم كرة القدم العديد من النجوم الذين كانت لهم بصمتهم الواضحة وجماهيرهم الواسعة وتاريخهم الحافل والمليء بالانجازات رغم ذلك قد يختلف عليهم النقاد والمتابعون , لكن هناك اسما واحدا أجمع الكل باختلاف ميولهم وانتماءاتهم على موهبته وأدائه الساحر وأهدافه التي وصفها البعض بالـ”خرافية” ووصفها البعض الآخر بأنها نسج من الخيال، حتما انه نجم المنتخب الأرجنتيني ونادي برشلونة ليونيل ميسي..ذالك الفتى الذي استطاع نحت اسمه في قائمة الأساطير وهو لم يتجاوز 22 عاما.


تقطفولة قاسية وجرعات مرة
في مدينة روزاريو الأرجنتينية تحديدا في 24 يونيو سنة 1987 كان ذلك التاريخ شاهدا على ولادة نجم قادم بسرعة البرق إلى عالم الشهرة والنجومية. في سن خمس سنوات بدأ ليونيل ممارسة كرة القدم في نادي ٌ”قراندولي “ المغمور والذي كان يديره والده آنذاك وفي فترة قياسية التحق ببراعم نادي “نيويلز اولد بويز” الذي كان يلعب فيه أخوه الأكبر رودريجو, وقدم مستوى رائعا وسجل أهدافا عديدة الأمر الذي لفت انتباه مسؤولي إدارة نادي “ريفر بليت” الذي ضمه إلى صفوفه في ذلك الوقت وهو في عمر 9 سنوات ولكنه لم يلبث طويلا بسبب عدم رغبة النادي بدفع مبلغ مالي طلبه والدا ميسي إضافة إلى الضعف اللافت في بنيته الجسمانية آنذاك.كان طول ميسي لا يتعدى 112سم عندما بلغ العاشرة من عمره مما دفع بوالديه للذهاب به إلى الطبيب الذي اخبرهما بأن ابنهما يعاني من مرض نقصان هرمونات النمو، وأن الحل كان حقن ميسي بشكل يومي ولفترة علاج قد تمتد لسنوات بالهرمون الناقص الذي كان يتم إنتاجه بفضل الهندسة الجينية.لأكثر من عامين كان ميسي يختم ليلته بتزويد نفسه بجرعات من الهرمون الذي يحتفظ به في علبة موضوعه أعلى خزانة ملابسه حيث يقوم بحقنها في أسفل قدميه وكان يرفض مساعدة أي أحد من أفراد أسرته. يقول والد ميسي: “كانت التكلفة باهظة للغاية وكنا عاجزين عن دفعها، كنت اعمل وقتها في وزارة المالية التي ساعدتني من خلال مؤسستها الخيرية والاجتماعية على دفع ثمن علاج ميسي خلال عامين فقط، رفضوا بعدها مواصلة مساعدتهم إضافة إلى أن الأندية الأرجنتينية رفضت التكفل بعلاج ابني حيث أجمع الكل على أن بنيته لا تساعده أن يكون لاعبا “

وفاء برشلونة وبداية المشوار
في شهر يناير من عام 2000 وصلت تقارير من أحد كشافي نادي برشلونة في الأرجنتين إلى إدارة النادي والذي كان يرأسه في ذلك الوقت “خوان جاسبارت” والذي لم يعر اهتمامه إلى تلك التقارير إلا بعد ما أحضر والدا ميسي ابنهما إلى إقليم كاتلونيا للخضوع لاختبارات بنادي برشلونة في شهر يوليو من عام 2000,أثار الإرجنتيني الصغير إعجاب رئيس النادي ومسئوليه من أول نظرة عندما لعب مع فريق الناشئين في مباراة ودية , فاتفقت إدارة برشلونة مع والده على عقد ينص بالتزام النادي بجميع مصاريف علاج ليونيل كاملة , بعدها تدرج اللاعب إلى فئة الشباب الى ان التحق بالفريق الأول موسم 2004ـ2005 لتبدأ رحلة التألق والنجومية. ويعد يوم 16 أكتوبر في نفس الموسم بين أهم الأيام في مسيرة ميسي عندما شارك في أول مباراة مع الفريق الأول لبرشلونة وهو يبلغ من العمر 17 سنه فقط في إحدى مباريات الدوري الإسباني أمام نادي الباسيتي , في تلك المباراة أعلن ميسي عن نفسه عندما تمكن من خلال تمريرة من زميله في الفريق البرازيلي “رونالدينهو” من تسجيل هدف بطريقة رائعة.
إصابة تنهي الموسم

في موسم 2005ـ2006 تألق ميسي خلال المباراة التي جمعت برشلونة بنادي تشيلسي الانجليزي في دور ثمن النهائي من دوري أبطال أوربا حينها أزعج ميسي الدفاع الإنجليزي كثيرا وتسبب في طرد مدافع تشيلسي ديل هورنو مما ساعد الفريق على تحقيق الفوز بنتيجة 2ـ1.غير أن ميسي تلقى صفعة قاسية عندما أصيب في مباراة الإياب بإصابة أبعدته عن الملاعب إلى آخر الموسم.
ثلاثية الكلاسيكو والهدف الأسطوري

تمكن ميسي من الحصول على مركز أساسي بنادي برشلونة في موسم 2006ـ2007 وشكل مع النجم البرازيلي رونالدينهو والكاميروني ايتو مثلثا مرعبا في الهجوم لكن لم يكتب له النجاح بسبب إصابة ايتو وتعرض ميسي في العديد من مرات للإصابة.و في 10 مارس من سنة 2007 تمكن ميسي من انقاد ناديه برشلونة من الهزيمة في لقاء الكلاسيكو أمام ريال مدريد على أرضية ملعب (النوكامب)عندما تمكن من تسجيل ثلاثية في مرمى الحارس كاسياس ليتعادل برشلونه بنتيجة 3ـ3.و في 18 ابريل من نفس السنة سجل ميسي هدفه التاريخي الذي شبهه البعض بهدف الأسطورة دييجو ماردونا في مرمى نادي خيتافي عندما تجاوز أكثر من 4 لاعبين من منتصف الملعب وراوغ الحارس أيضا ,وكان ذلك في اطار مباراة دور النصف النهائي من كأس ملك إسبانيا. رغم أن ميسي لم يتمكن من انجاز أي لقب خلال هذا الموسم إلا انه دخل التاريخ عندما شارك في مباراة فريقه أمام فالنسيا في كأس الملك ضمن دور النصف نهائي بصفته أصغر لاعب في برشلونة يتمكن من لعب 100 مباراة مع النادي الكاتالوني.

الأفضل.. الأمتع.. الأروع
يعد موسم سنة 2008 ـ 2009 استثنائيا في مسيرة ليونيل لحد الآن إذ تمكن بفضل أدائه الرائع ومساعدة زملائه من تحقيق ثلاثية تاريخية لبرشلونة ليكون أول فريق اسباني يحقق هذا الانجاز. وفي الدوري الإسباني استطاع البرشا سحق جميع منافسيه وبنتائج كبيرة وكان لميسي دور كبير في ذلك, وتعد نتيجة 6ـ2 التي فاز بها البرشا على الريال على ملعبه “سانتياجو برنابيو” وبين جماهيره الأبرز حيث سجل ميسي هدفين في تلك المباراة لتمكن برشلونة من تحقيق لقب الدوري. غير أن مشاركة ميسي في مباريات دوري الأبطال كانت هي الأبرز والأمتع.أبدع ميسي وسجل أهدافا كثيرة مكنته من إحراز لقب الهداف وأفضل لاعب بالبطولة.تألق ميسي خصوصا في المباراة النهائية أمام مانشستر يونايتد حينما سجل هدف الفوز الثاني والقاتل في مرمى فان دير سار بعدما طار في الهواء بطريقة بهلوانية ووضع الكرة في الشباك برأسية جميلة. وفي هذا الموسم أيضا توج ميسي بجائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في أوروبا وجائزة أفضل لاعب في العالم.

مشاركات دولية خجولة
استدعي ليو ميسي لأول مرة إلى صفوف المنتخب الأرجنتيني الأول من قبل المدرب خوسي بيكرمان في المباراة التي جمعت بين منتخبي الأرجنتين والمجر.شارك ميسي في شوط المباراة الثاني ولم يمض على دخوله سوى دقيقتين إلا وأخرج حكم المباراة البطاقة الحمراء في وجه ميسي مما اثر على نفسيته بشكل ملحوظ. وشارك ميسي مع منتخب الإرجنتين في نهائيات كأس العالم 2006 في المانيا ولم تكن له بصمة واضحة غير تسجيله لهدف وحيد أمام المنتخب الصربي في دور المجموعات , وخرجت الأرجنتين من تلك البطولة بعد خسارتها من البلد المنظم ألمانيا بركلات الترجيح في الدور ربع النهائي.

مقارنته بمارادونا وتواضع الكبار

عقب إعلان مدير تحرير مجلة “فرانس فوتبول” الفرنسية فوز الأرجنتيني ليونيل ميسي مهاجم فريق برشلونة الاسباني بجائزة الكرة الذهبية لعام 2009ودخوله التاريخ بعد حصوله على اكبر عدد من الأصوات في تاريخ هذه الجائزة متفوقا على الأسطورة ميشيل بلاتيني الذي فاز بها سنة 1984، توجه على الفور مراسل من المجلة إلى منزل ليونيل الواقع في احد الأحياء جنوب مدينة برشلونة. حيث استقبله النجم الكبير ميسي الذي كان يتابع إعادة للقاء الكلاسيكو مع أفراد أسرته وهو يرتدي بنطلون جينز وسترة رياضية عادية، كما كانت الابتسامة تملأ وجهه بالإضافة إلى الخجل الذي بدا ظاهراً عليه كعادته.وأشار المراسل إلى أن منزل ميسي لا تبدو عليه مظاهر البذخ نهائياً، كما انه يخلو من صور اللاعب ذاته، باستثناء صورتين معلقتين على الحائط وبعض الجوائز الشخصية موضوعة فوق رف اسود موضوع فوق التلفاز. وعند سؤاله عن المقارنة مع الأسطوره دييجو مارادونا اعترف ميسي أن ظهوره إلى الساحة العالمية كان سريعا جدا وبأنه فخور بمقارنته بالأسطورة الكروية مارادونا لكنه أيضا لا يؤمن ان للمقارنات أهمية.حيث قال:” ان تقارن بمارادونا فهذا شيء كثير, إنه أفضل لاعب أنجبته الملاعب وأنا ما زلت في مقتبل مشواري الكروي أنا ممتن جدا لكل من يقارنني بمارادونا, لكن المقارنة تزعجني بعض الشيء “. وأضاف:” كل شيء حصل مثل الحلم أحيانا يتوجب علي صفع نفسي لأعرف أنها حقيقة “.